الحقيقة تقول:
إن أعداء الإسلام يملكون الجيش والإعلام والقضاء والأجهزة الأمنية والمال الذي يفسد الجيش والإعلام والقضاء.
والواقع يؤكّد:
بأن معركتكم مع أعداء هذا الدين لم تنتهِ بل بدأت للتوّ. ومن هنا أبدأ، وأتساءل:
هل بوسع مقالة كهذه أن تستوعب مسيرة مايزيد عن سبعة عقود من الصبر والكفاح والإخلاص والعطاء؟!
لست بصدد التحدث هنا عن نشأة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1945، مع أن تاريخ إنشائها وما قدّم رجالها جدير بأن يُشار إليه وقد سبقني إليه أهل الخبرة والاختصاص من الدارسين والباحثين.
والمنصفون يعرفون أن الملك المؤسس عبدالله الأول قد أحسن استقبال مبعوثي الإمام الشهيد حسن البنا رحمهما الله حين أوصلا له رساله مفادها رغبة الإمام الشهيد بتأسيس فرع للإخوان المسلمين في الأردن، فكان من أوائل المُرحّبين بذلك؛ بل وأصرّ الملك عبدالله الأول أن يكون في افتتاح أول مقر لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن.
أي إن تأسيس الإخوان هو سابق لتأسيس المملكة، وما هي إلا ثابت من ثوابتها ودعامة رئيسة لنظامها الأردني.
لا يخفى على أحد دور الإخوان المسلمين في حرب فلسطين عام 1948 وتأسيسهم لسرية أبي عبيدة عامر بن الجراح وكان مقرها ( قرية عين كارم) تحت قيادة الحاج عبد اللطيف أبي قورة، وهو أول مراقب عام لجماعة الإخوان المسلمين، حيث استشهد عدد كبير منهم في المعارك ضد المُحتل الصهيونيّ.
وبالطبع تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تاريخ مُشرف ناصع مليء بالإنجازات، لا على المستوى المحليّ وحسب؛ بل وعلى مستوى الوطن العربي، وقد عُرف عنهم نزاهتهم أينما حلّوا وارتحلوا من شمال المملكة لجنوبها، بمشاريعهم الخيرية ومدارسهم ومستشفياتهم وعنايتهم بعشرات الآلاف من الأسر الفقيرة والأيتام بمشاريع ضخمة تعجز عنها حتى الدولة، فكان الإخوان المسلمون هم السبّاقون للعمل الخيري ونشر الفضيلة بين الأجيال، جماعة مسلمة أخذت على عاتقها جزءًا كبيرًا من واجبات الدولة على مواطنيها.
** ** **
لمن يعتبر جماعة الإخوان المسلمين خطرًا على الدولة الأردنية والهاشميين، اقرأ هذا:
في دراسة للكاتب السعودي (مشاري الذايدي) التي نشرها في على حلقات في صحيفة (الشرق الأوسط السعودية)، يذكر الذايدي في دراسته أن (ممدوح العبادي ) أحد الوزراء السابقين ومن السياسيين البارزين من ذوي الخلفيات العلمانية، قد قال:
“أنا لا أتفق مع كثير من أفكار الإخوان، لكن هم الحزب الوحيد الذي لم يضرب الدولة الأردنية منذ خمسين عامًا مضت“.
يقول أيضًا الكاتب السعودي: “تكرست علاقة الإخوان أكثر بالنظام بعدما انحازوا إلى صفه ضد المحاولة الانقلابية سنة 1957، والتي دبرها الناصريون والقوميون بتواطؤ مع رئيس الحكومة الناصري سليمان النابلسي، حيث كان الملك حسين يشعر بذلك وينتظر لحظة كشف الأوراق، وقد مهد لذلك بمزيد من التقارب مع الإخوان، فعقد الإخوان مؤتمرات واجتماعات جماهيرية لحشد الدعم للملك حسين نصرة للإسلام وضد الشيوعية والإلحاد“.
ويقول الكاتب السعودي أيضًا: “حدثني الأستاذ داود قوجق أمين السر الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين نقلًا عن المراقب العام الأسبق للجماعة المرحوم محمد عبد الرحمن خليفة، أنه ذهب حينها إلى الملك الحسين رحمه الله، فوجده قد اتخذ احتياطات خاصة تحسبًا لأي طارئ في تلك الليلة التي أعد البعثيون فيها العدة للانقضاض على العرش الهاشمي، فما كان منه إلا أن وعد الملك بأن الإخوان سيحبطون انقلاب (المعارضة) بانقلاب (موالاة) يعيد الأمور إلى نصابها، وهذا ما كان. ونزلت حشود الإخوان المسلمين إلى وسط البلد عند مطعم (جبري) وصدت البعثيين واليساريين واشتبكت معهم بقوة دفاعًا عن الهاشميين“.
المحطة التاريخية الفاصلة التي هددت العرش الهاشمي بعد ذلك، كانت أحداث أيلول الأسود عام 1970، ولكن العلاقة التاريخية بين الإخوان والعرش كانت أقوى من أي (عاصفة)، يقول الباحث السعودي:
“هذه العلاقة التاريخية التي أشار إليها العبادي والمعشر عمادها الدم في بعض اللحظات، كما حصل حينما انحاز الإخوان بشكل سياسي، كما يصف البعض موقف الإخوان حينها، إلى صف الحكومة في مواجهتها مع الفصائل الفلسطينية المسلحة بقيادة ياسر عرفات في سبتمبر (أيلول) 1970“.
وفي موضع آخر يقول الكاتب مشاري الذايدي: “(بسام العموش) الإخواني القيادي المعروف في الأردن، والذي خرج بعد خلاف عاصف مع الإخوان سنة 1997 وأصبح مستقلًا، يقول: (الإخوان لم ينحازوا لطرف ضد طرف في حرب أيلول؛ بل لزموا الحياد، مع وجود رغبة دفينة بانتصار النظام الأردني على تلك الفصائل المسلحة)“.
ويتابع العموش: “أذكر أن ياسر عرفات استدعى ثلاثة من قيادات الإخوان في الأردن، ومنهم ذيب أنيس -نائب سابق في البرلمان عن الزرقاء- إلى جبل الحسين في عمان، وأخبرهم بنيته القيام بعمل عسكري ضد الملك حسين بحجة أن النظام ضد المقاومة، فرفض الإخوان وتحديدًا ذيب أنيس ذلك، واعترضوا عليه قائلين: ليس لك حجة في ذلك، وبندقيتنا موجهة من أجل العمل في فلسطين، فغضب عليهم أبو عمار غضبًا شديدًا“.
العموش يقول: (لا يوجد أي خلفية إقليمية في موقف الإخوان من حرب أيلول، وليس صحيحًا القول بأنه موقف صاغه التيار الشرق أردني داخل الحركة، لقد كان موقفًا إجماعيًا من الإخوان).
في هبة نيسان عام 1989 والتي انطلقت شرارتها من معان، لتعم معظم مدن الجنوب وتصل إلى مادبا والسلط على أطراف العاصمة عمان، ورغم أن الانطلاقة كانت عفوية وغير منظمة ومعظم المشاركين فيها من التقليديين العشائريين؛ إلا أن الأحزاب اليسارية والقومية استثمرتها ووجهتها وقادتها في حين أن الإخوان المسلمين نأوا بأنفسهم عنها تمامًا، وعارضوا السلوك العنيف للمحتجين والذي تمثل في تخريب الممتلكات العامة والخاصة، وكان لهم دور بارز في الوقوف سندًا للنظام بغية إعادة الهدوء وتهدئة الخواطر.
وقد التقى الملك حسين كلًا من القيادي البارز في الجماعة الدكتور عبداللطيف عربيات ونائب معان آنذاك الأستاذ يوسف العظم رحمه الله (كلًا على حدة) طالبًا منهم النصح والمشورة، حيث لم يبخلا عليه بذلك، وكان من ثمار هذه اللقاءات عودة الحياة البرلمانية في انتخابات نزيهة لم تشهدها الدولة الأردنية إلى الآن.
عام 1997، انطلقت (ثورة الخبز) التي دارت رحاها في معان والكرك، وسقط فيها ضحايا وجرحى وأثرت سلبًا على الأجواء العامة، وكما برز اليساريون والبعثيون في هبة نيسان كان دورهم جليًا في هذه الأحداث أيضًا، أما الإخوان المسلمون فقد أحجموا عن المشاركة الشعبية العنيفة في الشارع بينما وقفوا بخطابهم السياسي مع تظلمات المحتجين، وانبرى خطباؤهم يهاجمون السياسات الحكومية التي أوصلت البلاد إلى هذه الحالة مقترحين سبلًا للعلاج خروجًا من هذه الأزمة، ولبيان الحقيقة في أجلى صورها حول أن الإخوان المسلمين هم أحد دعائم الا&#